كلمة "ويل" أي تحقق الهلاك، وليس عنده شك ولا بنسبة واحد في المليون أنه انتهى، وقد رأى الوادي الأول والثاني، والسرعة مذهلة، والمنعطف خطير، وليس معه مكبح، فأصبح عنده يقينٌ قطعيٌّ، ولا مجال للشك إطلاقاً مِن أنه انتهى، أرأيتم الناس الذين في هذه الحالات، ومن دون وعي يستخدم أحدهم الفعل الماضي، فإنه يقولُ لك: هلكنا، قل سنهلك! وإذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين | قال بعض علماء التفسير إن هذه السورة جاءت بهذا الشكل تأكيداً إلى أن التقصير في حقٍ صغيرٍ من حقوق البشر موجبٌ للهلاك، فكيف التقصير بأكبر حقٍ من حقوق الإله!! { هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } أي: هل جوزوا من جنس عملهم؟ فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ورموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، ورأوهم في العذاب والنكال، الذي هو عقوبة الغي والضلال |
---|---|
يَنْظُرُونَ إلى ما أعد الله لهم من النعيم, وينظرون إلى وجه ربهم الكريم، تَعْرِفُ أيها الناظر إليهم فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ أي: بهاء النعيم ونضارته ورونقه، فإن توالي اللذة والسرور يكسب الوجه نورًا وحسنًا وبهجة | كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ 7 كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ يَقُول تَعَالَى حَقًّا" إِنَّ كِتَاب الْفُجَّار لَفِي سِجِّين " أَيْ إِنَّ مَصِيرهمْ وَمَأْوَاهُمْ لَفِي سِجِّين فِعِّيل مِنْ السِّجْن وَهُوَ الضِّيق كَمَا يُقَال فِسِّيق وَشِرِّيب وَخِمِّير وَسِكِّير وَنَحْو ذَلِكَ |
ودلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات، بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج، فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها ، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير.
16قَالَ الْأَعْمَش عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة عَنْ هِلَال بْن يِسَاف قَالَ سَأَلَ اِبْن عَبَّاس كَعْبًا وَأَنَا حَاضِر عَنْ سِجِّين قَالَ هِيَ الْأَرْض السَّابِعَة وَفِيهَا أَرْوَاح الْكُفَّار وَسَأَلَهُ عَنْ عِلِّيِّينَ فَقَالَ هِيَ السَّمَاء السَّابِعَة وَفِيهَا أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ وَهَكَذَا قَالَ غَيْر وَاحِد إِنَّهَا السَّمَاء السَّابِعَة وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " كَلَّا إِنَّ كِتَاب الْأَبْرَار لَفِي عِلِّيِّينَ " يَعْنِي الْجَنَّة | قال: عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذَّة مناجاتي! { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ } على محارم الله، متعد من الحلال إلى الحرام |
---|---|
فهذه السورة والله الذي لا إله إلا هو تقطع الظهر، وتقصم الفقار، وليست هناك مصلحة من مصالح الأرض إلاَّ وهي داخلة تحت مظلة هذه السورة، وإذا كان التطفيف هذا عقابه فكيف يكون عقابُ التقصير بحقِّ الله عزَّ وجل؟ | إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ 29 وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ 30 وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ 31 وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ 32 وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ 33 فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ 34 إن الذين أجرموا كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين, وإذا مروا بهم يتغامزون سخرية بهم, وإذا رجع الذين أجرموا إلى أهلهم وذويهم تفكهوا معهم بالسخرية من المؤمنين |
هل جوزي الكفار - إذ فُعل بهم ذلك- جزاءً وفاق ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والآثام؟.
10إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ 13 إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أَيْ إِذَا سَمِعَ كَلَام اللَّه تَعَالَى مِنْ الرَّسُول يُكَذِّب بِهِ وَيَظُنّ بِهِ ظَنَّ السُّوء فَيَعْتَقِد أَنَّهُ مُفْتَعَل مَجْمُوع مِنْ كُتُب الْأَوَائِل كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ اِكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَة وَأَصِيلًا " | تفسير البغوي يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ 21 يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ هُمْ الْمَلَائِكَة قَالَهُ قَتَادَة وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس يَشْهَدهُ مِنْ كُلّ سَمَاء مُقَرَّبُوهَا |
---|---|
وأما من أنصف، وكان مقصوده الحق المبين، فإنه لا يكذب بيوم الدين، لأن الله قد أقام عليه من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، ما يجعله حق اليقين، وصار لقلوبهم مثل الشمس للأبصار ، بخلاف من ران على قلبه كسبه، وغطته معاصيه، فإنه محجوب عن الحق، ولهذا جوزي على ذلك، بأن حجب عن الله، كما حجب قلبه في الدنيا عن آيات الله، { ثُمَّ إِنَّهُمْ } مع هذه العقوبة البليغة { لَصَالُوا الْجَحِيمِ } ثم يقال لهم توبيخا وتقريعًا: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب: عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ، واللوم | قال تعالى: وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ أي: وما أرسلوا وكلاء على المؤمنين ملزمين بحفظ أعمالهم، حتى يحرصوا على رميهم بالضلال، وما هذا منهم إلا تعنت وعناد وتلاعب، ليس له مستند ولا برهان، ولهذا كان جزاؤهم في الآخرة من جنس عملهم، قال تعالى: فَالْيَوْمَ أي: يوم القيامة، الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون، وقد ذهب عنهم ما كانوا يفترون، والمؤمنون في غاية الراحة والطمأنينة |
شيء آخر، الرَقم هو النقش، أي المخالفة مع صورتها، ففي بعض الدول تأتي للإنسان مخالفة، فإذا أنكرها يعرضون عليه صورة السيارة وهي في وضع المخالفة، فلا يستطيع أن ينبس ببنت شفة، أليس ذلك رقم سيارتك؟ وفي الطريق كنت مخالفاً؟ فكتابٌ مرقوم بمعنى مرقَّم، وكتابٌ مرقوم بمعنى هناك رقَم، أي فيه صور، أي أن كل شيء عملته التقطت له صورة، وسبحان الله فالصورة مُسْكِتة للشخص، فأحياناً يأخذ إنسان لشخص آخر صورة وهو في وضع مشين فهذه الصورة تكلِّفه مئات الألوف، فهل تستطيع أن تقول: لا، ليست هذه صورتي؟ فربنا عزَّ وجل أبان ذلك، فكل تطفيف فعله الإنسان في الدنيا مسجَّل عند الله عزَّ وجلَّ كتابةً وصورةً، وسوف يطلعه على عملية التطفيف يوم القيامة.