الحالة الثالثة: أن الإله هو الرب نفسه في اعتقاد المشركين، وهذا هو محل النزاع، فإن الإله الحق في نفس الأمر, واعتقاد الموحدين هو الرب نفسه، إلا أن المشركين كانوا يتخذون غير الله آلهة, مع اعترافهم بأن الله هو الرب, الخالق, المالك, المدبر، فلذلك لا يصح كلام دحلان, ولا ينطبق على هذه الحالة، وبه يتبين وجه تلبيسه، ثم إن كثيراً ممن ينتسب إلى الإسلام ممن وقع في الشرك يقر لله تعالى بالربوبية والألوهية، ولكنه يأتي بما يخالف إقراره, فيقع في بعض أنواع الشرك, ويسميها بغير اسمها، وهذا لا يغير من الحقيقة شيئاً, كالذي يشرب الخمر ويسميها بغير اسمها انظر صيانة الإنسان 447-448 ، و رسالة الشرك ومظاهره ص:90 | مؤرشف من في 8 أكتوبر 2018 |
---|---|
وجعلوا الإله هنا هو الرب في نفسه ؛ ولهذا جعلوها دليلاً على توحيد الربوبية الذي هو الغاية عندهم | لفظ السيد هو بمعنى لفظ الرب مع اختلاف بينهما |
قال شيخ الإسلام: "توحيد العبادة: هو تحقيق شهادة أنْ لا إله إلا الله، أن يَقصد الله بالعبادة ويُريده بذلك دون ما سواه، وهذا هو الإسلام؛ فإن الإسلام يتضمَّن أصلَيْن؛ أحدهما: الاستسلام لله، والثاني: أن يكون ذلك له سالِمًا، فلا يشركه أحدٌ في الإسلام له".
7فَأتَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُمْ إِلى كَلِمةِ التَّوْحِيدِ وَهِيَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ أيْ: ليسَ الإلهُ عندَ المشركينَ هو الخالقُ الرازقُ المدبرُ؛ لأنَّ هذا معنى الربِّ، وفرقٌ بينَ معنى الربِّ ومعنى الإلهِ وفرقٌ بينَ توحيدِ الربوبيةِ و توحيدِ الألوهيةِ وإنما يعنونَ بالإلهِ ما يعني المشركونَ في زماننا أيْ زمانِ المؤلفِ بلفظِ السيدِ وإلى الآنَ يسمونَ هؤلاءِ الذين يدَّعونَ صلاحَهم ويتقربونَ إليهمْ يسمونَهم السادةَ كالسيدِ البدويِّ والسيدِ الرفاعيِّ والسيدِ التيجانيِّ إلى غيِر ذلكَ، يعتقدونَ أن هؤلاءِ السادةَ لهمْ منزلةٌ عندَ اللهِ تؤهلُهمْ أن يتوسطُوا لهمْ عندَ اللهِ وتؤهلُهمْ أن يُدعَوا من دونِ اللهِ ويُذبحَ وينذرَ لهمْ ويطافَ بقبورِهمْ ويتبركَ بها | فباعتبار إضافته إلى العابد يُسمَّى توحيد العبادة، ويُسمَّى أيضًا توحيد الألوهيَّة أو الإلهيَّة، وكلاهما صحيح؛ لأنه معنى قول العبد: "لا إله إلا الله"؛ إذ الإله هو: الْمَأْلُوه المعبود بجميع أنواع العبادة |
---|---|
فباعتبار إضافته إلى الله تعالى يُسَمَّى توحيد الألوهيَّة؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص التألُّه - وهو أشدُّ المحبَّة - لله | فَذَلِك إِيمَانهم وهم يعْبدُونَ غَيره— |
ولا بد نعرف أنَّ بعض الذين نأتي بهم في العمالة والخدم والسَّائقين من المجوس أو المانوية أو الثَّانوية الذين يقولون بهذه المقالات مشركون في الرُّبوبية، فالنصارى الذين يقولون بالتثليث لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض حتى تتبيَّن المقالة، وإنما يتَّفِقون على أن صانع العالم واحد، ويقولون عنه الأب والابن وروح القدس، وأنَّه إلهٌ واحدٌ بالذَّات، ثلاثة بالأقنون؛ والأقانين يُفسِّرونها تارةً بالخواص، وتارةً بالصِّفات، وتارةً بالأشخاص، وهؤلاء مُتناقضون في أنفسهم ومضطربون في أفهامهم.
19وجميع الأنبياء إنما دعوا لعبادة الله وحده، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وقد رد قوم ما دعا إليه بقولهم: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فعلموا ما أراد من دعوتهم، من ترك كل ما يعبده هؤلاء وآباؤهم من قبل، إلى عبادة الله وحده، وما ذاك إلا أنهم علموا معنى كلمة التوحيد وما يراد بها | ولهذا اسم الله الذي ترجع إليه، أو تجتمع فيه صفات الكمال الله هذا معناه: المعبود الحق؛ قال بعضهم: الله علم على المعبود بحق |
---|---|
إذاً: شرك المحبة، هو شرك في الأُلوهية، فهذه إذاً قضية الشِّرك في توحيد الأُلوهية | الفرق بين المفهومين إنّ الفرق بين توحيد الرّبوبيّة وتوحيد الألوهيّة هو فرقٌ واضح من عدّة وجوه، فمن ناحية الاشتقاق اللّغوي يدلّ توحيد الرّبوبيّة على الملك فيقال ربّ الشّيء أي مالكه وسيّده، بينما توحيد الألوهيّة من التّأله ويعني المستحقّ للعبادة وحده |
عند بعضهم يقول العبودية ثلاث مقامات: المحبة والخوف والرجاء، وهذه لاعتبار آخر، فقد ذَكرنا اثنين اقسام، وأربعة أقسام وتطرقنا الآن إلى ثلاثة أقسام، والمسألة واسعة؛ لأنَّ بعضها يؤدي إلى بعض، لكن أحياناً يكون الفرع كبير فتضطر أنَّ تُفصلَه بشيءٍ مستقلٍ، أو لأهميته، وإلا فهو متفَرِّع من غيره، كالرجاء فهو مُتَفرِّع من المحبة، والخوف مُتفرِّع من التَّعظيم، فقال بعضهم: محبة وتعظيم، وبعضهم قال: محبة ورجاء وخوف وتعظيم، ولو قال قائل: السائر إلى الله بمنزلة الطَّير، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه، فجعلها ثلاثة، فلا بأس؛لأنَّها داخلةٌ في بعضها البعض.
15