والموطن الرابع من مواطن النصيحة : عامة الناس ، وغاية ذلك أن تحب لهم ما تحب لنفسك، فترشدهم إلى ما يكون لصالحهم في معاشهم ومعادهم ، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه ، وتذكّرهم به إذا نسوه ، متمسكا بالحلم معهم والرفق بهم ، وبذلك تتحقق وحدة المسلمين ، فيصبحوا كالجسد الواحد : إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى | الثالثة: من النصيحة لكتاب الله الإيمان بأنه كلام الله حقيقة نزل به جبريل على رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يشبهه شيء من كلام البشر ، وتعظيمه وتلاوته حق التلاوة والذب عنه والتصديق بأخباره والوقوف مع أحكامه وتحليل حلاله وتحريم حرامه و الإيمان بمتشابهه والعمل بمحكمه وتدبر معانيه والإعتبار بمواعظه وتعلمه وتعليمه ونشر فضائله وأسراره وحكمه والاشتغال بتفسيره وفق مراد الله ومراد رسوله ورد عنه إنتحال المبطلين وتحريف المبتدعين وغلو الغالين |
---|---|
الشرح حديثنا الذي نتناوله في هذ المقال حديث عظيم ، ويكفيك دلالة على أهميته أنه يجمع أمر الدين كله في عبارة واحدة ، وهي قوله صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة ، فجعل الدين هو النصيحة ، كما جعل الحج هو عرفة ، إشارةً إلى عظم مكانها ، وعلو شأنها في ديننا الحنيف | وَكُلُّ شيءٍ خَلَصَ ، فَقَدْ نَصَحَ |
ولا يكون الرجل ناصحاً لغيره إلاّ إذا بدأ بنصح نفسه, واجتهد في معرفة ما يجب له وعليه؛ ليعرف كيف ينصح.
الخامس : أن تجتنب نهيه | يا أبا رزين إذا كابد الناس قيام الليل وصيام النهار فكابد أنت النصيحة للمسلمين |
---|---|
النصيحة للعلماء تكون بأمورٍ منها: الأول: محبتهم، لأنك إذا لم تحب أحداً فإنك لن تتأسّى به | وأما إذا كانت النصيحة في مسألة أو موضوع علمي لا يمت إلى الدين بصلة، فيجوز نصح المستشير إذا كان على منهج البحث الصحيح لجريان السيرة على ذلك، وقد اشتهر الحقيقة بنت البحث , ودلالته على النقصان والقدح لا تمنع منه، لأن الإنسان قرين النقصان ولم يخلق مصوناً من الخطأ والاشتباه، وليس إظهار مثل هذا النقصان عيباً شرعياً حتى يكون إظهاره غيبة |
رابعاً: الحنابلة: ذهب الفقهاء الحنابلة إلى وجوب النصيحة مطلقاً سواء أكانت بطلب من المستشير أم دون طلب لحديث الدين النصيحة في الأمور الدنيوية، وأما إذا كانت النصيحة تتعلق بأمور دنيوية ففي وجوب النصيحة من دون استشارة أو طلب نظر.
24