قال الله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ فأثبت الله لبعض الناس إيمانًا وكفرًا بنفس الوقت، فدل ذلك بالضرورة على انفكاك الجهة، بمعنى أنهم آمنوا من وجه، وكفروا من وجه | وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه |
---|---|
وكلمة «لا إله إلا الله» هي في حد ذاتها تتضمن الكفر لكل من أتى بكلمة التوحيد فإنه يعلن في الوقت ذاته الكفر بالطاغوت، والبراءة من كل ما يعبد من دون الله تعالى | وإنه يبدو من حديث إبراهيم — عليه السّلام — وتبرئه مما يعبدون إلا الذي فطره أنهم لم يكونوا يكفرون ويجحدون وجود الله أصلاً، إنما كانوا يشركون به ويعبدون معه سواه، فتبرأ من كل ما يعبدون، واستثنى الله ووصفه بصفته التي تستحق العبادة ابتداءً وهو أنه فطره وأنشأه، فهو الحقيق بالعبادة بحكم أنه الموجود، وقرّر يقينه بهدية ربّه له، بحكم أنه هو الذي فطره، فقد فطره ليهديه وهو أعلم كيف يهديه، قال إبراهيم هذه الكلمة التي تقوم بها الحياة، كلمة التوحيد التي يشهد بها الوجود، قالها {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} |
ومن أهم فضائلها وأسباب تخصيصها: ما رواه الإمام أحمد في مسنده والبزار والحاكم في المستدرك عن عبادة بن الصامت رضيَ الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ، قُلْنَا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَأَمَرَ بِإِغْلاقِ الْبَابِ, ثُمَّ قَالَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ, فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً, ثُمَّ وَضَعَ نَبِيُّ اللَّهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَدَهُ, ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ, اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرَتْنِي بِهَا, وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ, إِنَّكَ لا تَخْلِفُ الْمِيعَادَ, وَقَالَ: أَبْشـِرُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ.
12وفي صياغة أخرى: اعتقاد انفراد الله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله محمد من الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة | فمن نطق لا إله إلا الله ، فأتى بأحرفها على غير وجهها لم ينتفع بذاك، وكذا من أدّاها على غير وجهها |
---|---|
إذا علم هذا فليعلم أن التوحيد قد قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات | فائدة الحديث: وفي هذا الحديث الشريف يُبَيِّنُ لنا نبينا أنَّ أفضل الذكر على الإطلاق هو ذكر لا إله إلا الله وأنه ذكر الأنبياء والمرسلين، وهذا الفضل وحده يكفي لنعرف أنَّ خلوة التوحيد لا يعلو عليها شيء حيث أن شرفها متعلق بشرف قوله تعالى: أفضل الذكر لا إله إلا الله، ويشهد لهذا الحديث ما رواه الترمذي وابن حبان وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ للهِ |
فائدة الحديث: وهذا الحديث الشريف يُبَيِّنُ لنا سبباً عظيماً من أسباب اختيار وتفضيل خلوة التوحيد وهو أنها مفتاح للسماوات التي منها تهبط الواردات والتجليات الإلهية المتصلة بعرش الرحمن، فالذاكر حينما تفتح له أبواب السماء سيتصل بالعالم الأعلى وهذا أدعى وأقرب للفتح.
11وعليه فلا يجوز شرعاً أن يكون الخبر هو كائن في الوجود أو ممكن في الوجود أو نحوها ؛ لأن تقدير الإمكان تجويز لوقوع الممكن ، وتجويز وقوع الممكن كوقوعه ، فكونك تقدّر جواز وقوع استحقاق غير الله بالعبادة ، كقولك إن هناك موجوداً مع الله يستحق العبادة وهذا باطل ، وكذلك إذا قلت إن غير الله موجودٌ ، يستحق العبادة ، فإن هذا باطل أيضاً | وهناك إنفوجرافيك مبسَّط جدًّا لخَّص كلمة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ومعناها وأركانها وشروطها في دقيقتين فقط |
---|---|
وخبر إله مقدّر بأشياء ، اشتهر عند النحاة تقديره بقولهم : لا إله كائن في الوجود ، أو لا إله موجود في عالم الوجود ، والنحاة عند تقديرهم هنا ينشغلون بالصنعة النحوية عن التقرير الشرعي ، فيقدرون أيَّ خبرٍ يصلح تقديره في علم النحو والإعراب | وفي الصحيحين عن ابن المسيب عن أبيه , قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل , فقال له : يا عم قل : لا إله إلا الله |
أما المخرج : فلا بد أن يخرج الحرف عند النطق به من مخرجه العربي المعروف.
5