وقَرَنَ العبادة بالاستعانة ليدل على أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بعبادة الله إلا بإعانة الله له وتوفيقه، فهو إذن شعار وإعلان أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل شيئاً إلا بعون الله، وهو إقرار بعجز الإنسان عن القيام بالعبادات، وعن حمل الأمانة الثقيلة إذا لم يعنه الله — تعالى — على ذلك، فالاستعانة بالله علاج لغرور الإنسان وكبريائه عن الاستعانة بالله، واعتراف الإنسان بضعفه | وَقُدِّمَ الْمَفْعُولُ وَهُوَ ، وَكُرِّرَ ؛ لِلِاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ ، أَيْ : لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ ، وَلَا نَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْكَ ، وَهَذَا هُوَ كَمَالُ الطَّاعَةِ |
---|---|
فديننا دين أمة وليس دين تشعبات وتبعثرات يرى كل فيها نفسه أبا حنيفة ولكن من غير فقه، وإياك نعبد للجماعة، وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة أو سبع وعشرين درجة |
وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، وهو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال : وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، وهو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : nindex.
وقرأ بعضهم : أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء ، وقرأ بعضهم : هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر : فهياك والأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره و بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب nindex | إياك نعبد وإياك نستعين إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأصلي وأسلم على الحبيب المصطفى — عليه أفضل الصلاة والتسليم -، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: إن المتأمل لسورة الفاتحة يجد أنه بعد ورود آيات التمجيد والثناء، والحمد والشكر لله؛ ولما استجمع الأمر أنه سبحانه المستحق للحمد كله، وتحبيباً لعباده بالربوبية، وترغيباً بالرحمة، وترهيباً بيوم الدين؛ كان من شأن كل عاقل الإقبال إليه، وقصر الهمم عليه فقال — عز وجل -: { إياك نعبد وإياك نستعين}، أي: يا من هذه الصفات صفاته؛ نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، فنعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك |
---|---|
وَقَالَ الضَّحَّاكُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ يَعْنِي : إِيَّاكَ نُوَحِّدُ وَنَخَافُ وَنَرْجُو يَا رَبَّنَا لَا غَيْرَكَ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ عَلَى طَاعَتِكَ وَعَلَى أُمُورِنَا كُلِّهَا | الفاتحة أم الكتاب وقلبها وجوهر معانيها في الآية الكريمة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين كلمتان دقيقتان تختزلان غاية الدين كله، إذ عليهما مدار العبودية والتوحيد |
وذلك بالإخلاص لله في العبادة، وتمام التوكل عليه والافتقار إليه في الاستعانة، يقول ابن القيم: " إياك نعبد تدفع الرياء، وإياك نستعين تدفع الكبرياء".
25وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم، فبقدر ما يصرف العبادة إلى الله وحده، يتلقى منه العون والتوفيق في العبادة نفسها وفي سائر شؤونه | إياك نستعين: وما قلناه في إياك نعبد من حيث استعمال نون الجمع نقوله هنا في نستعين، المسلم يرى نفسه في الجماعة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار كما في الحديث، هذا دين جماعة، وفي إياك نستعين التقديم أيضاً، لم يقل: نستعين بك أو نستعينك، بل قال: إياك نستعين، فحصر الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، وأيما استعانة بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى هو إخلال بتوحيد الربوبية، والله سبحانه وتعالى يقول إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فينبغي على المسلم أن يحذر |
---|---|
الأمة الإسلامية أجناس وألوان، ولغات ولهجات، ولكنها مهما اختلفت لغاتها فإنها تلتقي جميعا بلسان عربي واحد حول كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسورة الفاتحة | لا يُسأل في هذه الأمور إلا الله تعالى لقوله : إياك نستعين ، ينبغي أن نفهم لغة العرب، لأن الاستعانة لا تجوز بغير الله سبحانه وتعالى، الاستعانة تكون بالبشر فيما يقدرون عليه وهو أحياء، وهناك أمور وهو أحياء لا يقدرون عليها، فكيف وهم أموات؟ إذن إياك نستعين هنا حصر للاستعانة بالله سبحانه وتعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل : رد غائب، رزق، شفاء مريض، أي شيء من الأشياء التي لا يملكها إلا الله تعالى، والله تعالى يملك جميع الأشياء، لكن هناك أشياء ممكنة كأن تقول لولدك ناولني هذا القميص، فتستعين به في هذه الأشياء التي يقدر عليها، لكن ما لا يقدر عليه قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ، ومن باب أولى الأموات |
وقال بعض الصوفية : العبادة إما لتحصيل ثواب ورد عقاب ؛ قالوا : وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده ، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى ، وهذا - أيضا - عندهم ضعيف ، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال ، قالوا : ولهذا يقول المصلي : أصلي لله ، ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العذاب لبطلت صلاته.
8